كيف وصلت SpaceX لأقل التكاليف في صناعة الصواريخ!؟

معتز عباس

مهندس باحث حاصل على الماجستير في علوم الكمبيوتر - جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية



تُعتبر مسألة التحكم بالصواريخ التي تصعد إلى الفضاء هي في حد ذاتها مسألة معقدة بسبب المسافة الشاسعة بين الصاروخ ومحطة التحكم أو المراقبة ، فلا يمكننا حتى هذه اللحظة التحكم بالصاروخ من على الأرض مباشرة ، فحتى سرعة الضوء غير كافية لهذه العملية ، و بسبب إستحالة التحكم في الصواريخ من الأرض ، فإن أنظمة التحكم بها تكون مميكنة بالكامل ( Fully automated )  ولذلك  يحمل كل صاروخ على متنه متحكمات دقيقة معروفة بـ Microcontrollers وهي عبارة عن حاسوب مُصغر يحتوي على معالج وذاكرة ومداخل ومخارج.. تساعد في برمجته ، و وظيفته تقوم على التحكم ، مثال على مثل هذه المُتحكمات : التحكم في رفع أو خفض مستوى الصوت عن بُعد أو تشغيل وإغلاق الضوء ، وتوجد أمثلة وتطبيقات كثيرة لمثل هذه المتحكمات . وللدخول في صلب الموضوع بعد هذه المقدمة البسيطة ، فجميعنا يعلم أن الشمس تبث أشعة مسببة للتأين مثل أشعة جاما ، ومثل هذه الأشعة ضارة للكائنات الحية و الإلكترونيات ، فيقوم الغلاف الجوي و المجال المغناطيسي للأرض بحماية الحياة على الأرض من زخات الشهب والنيازك ومن هذه الأشعة ، و لكن عند الوصول إلى خارج الغلاف الجوي فإن تأثير هذه الأشعة يبدأ في الظهور! وإحدى أقوى الإشعاعات التي تؤثر على المتحكمات الدقيقة - Microcontrollers - هي  الأشعة المسببة للتأين - Ionizing Radiation Problem -  وكما هو مفهوم بالنسبة للبشر ، أن العيش خارج الغلاف الجوي في الفضاء ،  يعني بأننا في حاجة إلى أُكسجين  وزي خاص يحمينا من الإشعاعات الكونية ، مثال لذلك الأشعة المعروفة بالأشعة الفوق البنفسجية وغيرها… فكما أن البشر لا يمكنهم التفاعل مع المحيط الفضائي إلا بوجود معداتهم أو حاضناتهم الخاصة ، يقوم نفس هذا المبدأ على الدوائر الكهربائية والإلكترونية  ، فهي بحاجة إلى معايير خاصة تُمكنها من التفاعل والعمل في محيط الفضاء .


 للتحكم بالصواريخ الفضائية قامت وكالات الفضاء الدولية ببناء محطات تحكم أرضية ، مسؤولة عن تشغيل وتوجيه الصواريخ عن بُعد إلى حد معين ، ولهذه المحطات أجهزة تم تصميمها بكفاءة عالية من قِبل فريق عمل بارعين في عدة مجالات ، ولكن تواجه وكالات الفضاء إشكالية وجود خطأ في تحول قيمة الوحدة الأساسية للتخزين البت (bit) رقم من صفر إلى واحد و العكس ، هذا الخطأ قد يحدث في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة أو المنطقة المسؤولة عن العمليات الحسابية و المنطقية ، مثال لذلك : مستشعرات القياس ( IMU ) المسؤولة عن تحديد المسافة بين الصاروخ والأسطح الأخرى ، فعندما يكون الصاروخ متوجهاً من الأرض إلى الفضاء  في طريقه إلى مكان ما ، قد يصادفه أثناء ذلك  قمر صناعي يتحرك في مساره مباشرةً ، وفي هذه الحالة يقوم المتحكم الدقيق مثل ( IMU ) بقياس سرعة الصاروخ ومسافته من القمر الصناعي الذي سوف يواجهه في طريقه ، وقد تكون هذه المسافة ٤٠٠ متر!  فيجب في هذه الحالة على الصاروخ أن يتجنبه بتغيير مساره لتفادي الإرتطام!  ولكن عند عدم حماية هذه المتحكمات من مشكلة الإشعاعات وتحديداً الأشعة المسببة للتأين - Ionizing Radiation Problem - ففي هذه الحالة تكون عملياتها الحسابية غير صحيحة ودقيقة ، فقد يُقدر ( IMU ) أن المسافة بينه وبين القمر الصناعي هو ٦٠٠متر! ولك أن تتخيل الكوارث التي سوف تحصل بعد ذلك ،  في هذه اللحظات يكون الصاروخ بلا أي تحكم وحماية! المشكلة أن المتحكمات الموجودة حاليًا ليست ذكية بما يكفي لإكتشاف الخطأ و تصحيحه ، وهذا قد يسبب حدوث كارثة  كإنحرافه عن مساره أو تغير منسوب ضخ الوقود من الخزانات إلى المحرك أو فتح بعض غرف الغازات وإختلاطها مع بعض… ولحل هذه المُعضلة قامت وكالة الفضاء ناسا ( NASA ) بتصميم أجهزة مقاومة للإشعاعات محمية بما يكفي لكي لا تتأثر بالأشعة ، وتم طلاء بعض الدوائر الإلكترونية بمواد يصعب إستخلاصها للوصول إلى نوعية هذه الطلاءات! وهي معروفة بـ ( Radiation Shielding ) حيث يتم تصنيعها حسب الطلب ، وهي غالية الثمن ، وتحتاج إلى مُبرمجين مُتخصصيين جداً لبرمجتها ، كما أن الطلب لتصنيعها يزيد من وقت صناعتها ، وكل ذلك يزيد من التكلفة النهائية للصاروخ.



على الرغم من حل وكالة الفضاء ناسا ( NASA ) من فعاليته فإنه غير مناسب لشركة تهدف للربح! حيث أن كل هذه التكاليف الصغيرة تؤدي إلى زيادة في التكلفة النهائية للصاروخ . فقد إضطرت شركة SpaceX للبحث عن حل آخر أقل تكلفة ، فقامت بإستخدام عدة متحكمات متعددة النواة ، ولكل عملية حسابية أو منطقية فإنها تحدث على كل المتحكمات بالتوازي و بعد كل خطوة تقوم المتحكمات بمراجعة اجابتها ،  وتعتبر الإجابة الأكثر شيوعًا هي الإجابة الصحيحة ، فعند إكتشاف خطأ في متحكم أو أكثر يتم إعادة تشغيل هذا المتحكم للتخلص من تأثير الإشعاعات . هذا الحل يعمل لأن إحتمالية حدوث خطأ في جميع المتحكمات في آن واحد هو أمر في غاية الصعوبة ، لأن عدد المتحكمات يعتمد على الإرتفاع الأقصى الذي سيصل إليه الصاروخ و مكان المتحكمات بالنسبة للصاروخ [١]  هذا العدد قد يصل إلى ٢٤ متحكم في الأنظمة الحساسة ، كما إن هذه الطريقة أثبتت أنها فاعلة للغاية [٢]. روعة هذا الحل تكمن في سهولته و قلة تكلفته وحيث أن هذه المتحكمات متوفرة ويمكن  الحصول عليها بسهولة كما أن مُبرمجيها عددهم كبير نسبة لأولئك الذين هم في وكالة ناسا ( NASA ) وهذا يعني سرعة أكبر في التطوير وتكلفة أقل .  الخلاصة التي نلتمسها هُنا إن الأنظمة المستقلة هي أنظمة شديدة الأهمية للصواريخ ، وفيما مضى كانت جزء كبير من التكلفة بسببها ، ولكن الحلول  البسيطة قد تكون هي الحلول الأفضل وهذا ما أثبتته شركة SpaceX.




[١]http://aviationweek.com/blog/dragons-radiation-tolerant-design

[٢]https://www.reddit.com/r/IAmA/comments/1853ap/we_are_spacex_software_engineers_we_launch/